حكومة الأحرار وغازوال بني دْرارْ
في البدء كانت المقاتلات:
في خرائط التهريب بالوطن –وقد انمحت اليوم،أوتكاد- ارتقت قرية "بني درار" الحدودية إلى مستوى عاصمة الغرب الجزائري في المغرب؛فحيثما كنت تولي وجهك في أزقتها ،وحتى داخل منازلها،تطالعك الجزائر سِلعا ،من شتى الأصناف ،الصلبة والسائلة.
تخصصت بعض الحارات في المحروقات ،تعرض براميلها صفا صفا ؛نهارا جهارا ،وكأن كل أجهزة الرقابة شلت تماما ؛وكأن مدونة التجارة مجرد مخطوط فقهي قديم،في بيع الرقيق .
أما مدونة السير فقد غدت كالأيتام في مأدبة اللئام؛ترغمك عشرات " المقاتلات" المتلاحقة في الطريق على الانتحاء جانبا بسيارتك ؛فزعا من أعداد السيارات المتوحشة،والخارقة السرعة ،وسُحنات سائقين لاتدري أهم من بني آدم مثلك ،أم براميل زرقاء من حمولاتهم.
براميل بنزين تنتظر ،صفا صفا ؛وأخرى راحلة عبر كل شرايين الجهة الشرقية ،تعيث فسادا في كل قوانين الدولة.
في مجزرة القوانين هذه هلك خلقٌ كثير ،في حوادث سير ،لاأحد يوثقها أو يفصل فيها ؛وأحيانا لا يتخلف بالركح غير الرماد.
أما المجازر الاقتصادية فحكاية أخرى.
من بني درار إلى أعالي البحار:
بقيت البضاعة هي هي ،وان ارتقت مقاتلات بني درار إلى حاملات عملاقة للنفط ؛ نفط هارب من موانئ الحصار الغربي لروسيا ،إلى أعالي البحار ،وصولا إلى حكومة الأحرار.
وارتقت مجزرة القوانين ،من المحلية المحدودة –خريطة وتأثيرا – إلى الوطنية ،بتأثير كبير على المالية العامة ،وكل السلاسل والتقاطعات الاقتصادية والاجتماعية.
وارتقت إلى العالمية أيضا ؛اعتبارا للوضع الدولي الراهن ،وإسقاطات الحرب الروسية الأوكرانية ،الولادة لاصطفافات آخذة في التوسع والتناكف الحاد.
كيف ارتقى التهريب ،من المعيشي المحدود ، وقد انتهى أمره ،وكاد الناس ينسون المقاتلات المتوحشة ومطاياها من الفساد الإداري ؛وينسون النساء "البغلات" ومآسيهن في معبري طارخال وبني انصار؟
كيف ارتقى ليصبح فضيحة تجارية، وطنية ودولية ،تكشَّفت عنها الوضعية الملتبسة لسوق المحروقات ببلادنا؟
شركات تهرب النفط الروسي الهارب من الحصار ،بثمن بخس تقريبا ،وتدلس في مصادره ،لتبيعه للمواطن ،المقهور أصلا ،بالسعر الدولي،سعر روتردام.
شركات عملاقة ،بالمقاييس الاقتصادية الوطنية ؛وحتى المقاييس السياسية ،اعتبارا لتبعية إحداها للسيد رئيس الحكومة.
طبعا ينسحب القَبول الحكومي على كل هؤلاء الموردين ،والبائعين ؛مما يرسِّمُ ويشرعنُ هذا التدليس الضخم الذي يَحدث لأول مرة ببلادنا،حسب علمي.
تنضاف هذه الأرباح التي هبت من أعالي البحار ،ومن الجنات الضريبية ،إلى الأرباح الأصلية المنهوبة من جيوب المواطنين ؛اعتبارا للتحرير الظالم لسعر المحروقات ؛ الذي أوقعت فيه حكومة بنكيران البلاد ؛دون أن تكون لها آلية للضبط الدقيق،والموازنة بين السعر الدولي والوطني؛حتى قبل الحرب.
وابتلع الحوت الكبير كل السردين:
رغم التأثير الاقتصادي السلبي،وطنيا، للتهريب المعيشي ،في بني درار وغيرها –كما أسلفت – فانه ظل لزمن موردا للرزق ،بالنسبة لشريحة واسعة من المواطنين ؛كما أنزل سعر البنزين و"الكازوال"،بالجهة، إلى حوالي النصف ،مقارنة بالسعر الوطني ،وقتها.
وقد خلق ،كما يعرف الجميع ،رواجا اقتصاديا واجتماعيا وعمرانيا ،في كل جهات المملكة،وخصوصا الشرقية والشمالية.
بل حتى محركات الفلاحة بسهل اتريفة ،اشتغلت جزائريا لفائدة الاقتصاد المغربي :رخص الكلفة وزيادة الإنتاج ،والتسويق في جميع الوجهات ؛بما فيها وجهة الجزائر إياها: الكازوال مقابل الحوامض والبطاطس.
كان تهريبا صريحا ،من أي جهة لاح؛ورغم توحش المقاتلات سياقة ،فهي لاتخفي مُنطلَقها ومرساها.
حتى حمير بني درار صارت أدرى بوجهتها ،ذهابا وإيابا ،دون سائس ولا خوف.
الوضع اليوم مختلف كلية :
كبريات الشركات تقصد خِفية أعالي البحار لتتبضع بثمن لايشهد عليه احد إلا الله ،وتبيعه للداخل بثمن يزيد اللهب التهابا.
وأحيانا تتريث في البحر ليالي وأياما ،تتربص بالأسعار على مهل.
أما تبييض العملية فيقع على عاتق الحكومة ،التي تقبل بوثائق تعلم زيفها.
وهذا ما يُذكر بقول عبد الإله بنكيران موجها الكلام للسيد رئيس الحكومة،ذات عتاب:
كنت تأتيني بوثائق ،لا أراقبها ،وتأخذ في المقابل أموالا.
اليوم يؤكد رئيس الحكومة ما ذكر سلفه: يوَرد نفطا، بصفته الشخصية التجارية؛ويشرعن ويرسم العملية بصفته الحكومية.
"اللهم انا لا نسألك رد القضاء ،وإنما اللطف فيه" ؛ندعوا بهذا وان لم يصح دعاء.
كفى بهذا قهرا وغلبة .
كيف سيثق المواطن في حكومة تنزل إلى هذا المستوى ؛الذي تسمو فوقه تجارة بني درار؟
كيف يثق المستثمرون في بلد ،يوجد بونٌ شاسع بين ما يطالب به جلالة الملك في خطبه،وما تمارسه الحكومة؟
كيف يستقيم ،أكاديميا ، في مجال الدراسات الاقتصادية والتجارية،شرح ما يقع للطلاب؟
كيف يمكن إقناع المجتمع الدولي ،بكون ما تمارسه الحكومة المغربية –شرعنة أو سكوتا، لا يدخل في ما يمكن تسميته :تهريب الدولة.
وهل تمارس الدول التهريب ؟
كيف تفكك الدولة إياها،كل جهودها في مكافحة التهريب ؛وهو يستحق فعلا نعت المعيشي؟
كادت حواضر الشرق والشمال تنسى عشرات السنين من الاقتصاد الهارب والمهرب ،فكيف تذكرها الحكومة ،اليوم،به؟
من شدة الظهور الخفاء:
لعل هذا ما يفسر صمت الحكومة عن هذه السابقة المغربية الدولية ؛متحرجة –ربما- من تبعاتها الجيوسياسية.
غدت من الشهرة بموقع لا تحتاج معه إلى كلام شارح.
ورغم هذا ينتظر المواطن ،وخصوصا الذي يقصد محطات التوزيع متهيبا سعر اللحظة ,أن يُفسر له كل هذا الربح المركب، في سعر اللتر الواحد.
سعر مركب كجلد تمساح؛ أين ينتهي الربح المشروع ،وأين يبدأ التوحش؟
أين تنتهي حدود التضامن الوطني ،في ساعات الشدة الاقتصادية؛لتبدأ وطأة الشره التجاري ،حيوانا خرافيا يسكن جميع مغارات الوطن .
إن لم يتضح هذا ،ويحسم فيه من جميع الأوجه ،فانتظروا ظهور المقاتلات من جديد ،عبر ربوع التهريب القديم ؛معربدة في الطرقات ، نعم ؛لكن ميسرة لمعاش الكثيرين في جهة تبدو اليوم منكوبة اقتصاديا.
اللهم تهريب السردين ولا تهريب الحيتان العملاقة.
فكيف تنظرون؟